17‏/09‏/2009

قـمـر جـنـوبـي ..

لأمير الشعراء أحمد بخيت ..

و أهديها لأبي رحمه الله ...

هَوِّنْ عليكَ فلا هُناكَ و لا هُنا

وجهاً لوجهٍ قلْ لمَوتِكَ ها أنا

ضعْ عنكَ عِبْأَكَ ، و القَ خِصمَكَ باسماً

فعلى جَسارَتِهِ يَهابُ لقاءَنا

إنْ لم يكنْ في العمرِ إلا ساعةٌ

عَلِّمْ حياتَكَ كيف نُكرِمُ موتَنا

لا تنتظرْ خِصماً أقلَ شجاعةً

وارفعْ جَبينَكَ مِثلما عوَّدتَنا

تتبرَّجُ الدنيا ، ونكسِرُ كِبرَها

ونقولُ : يا حمقاءُ غُرِّي غيرَنا

لا نستجيرُ من الجراحِ ، وإنما

من فرْطِ نخوَتِنا نُجيرُ جِراحَنا

لم يرتفعْ جبلٌ أمامَ عيونِنا

إلا لنَرفعَ فوقَهُ أكتافَنا

إنـَّا و قد نَهَبَ الظلامُ نجومَنا

نُهدي الصباحَ لمن سيأتي بَعدَنا

في زَفرَةِ الفرَسِ الأخيرةِ قبلَما

يأتي اعتذارُ الموتِ عن موتِ المُنى

سنقولُ للرحمنِ جلََّ جلالُه

فلتُعطِنا موتاً يليقُ بمثلِنا

يا طائرَ الغُرُباتِ عُشُّكَ مُوحِشٌ

فاهدأ لعلَّك يا غريبُ .. لعلنا

سيقولُ طفلٌ ما ، لدَمعةِ أمِّهِ :

ساعيْ البَريدِ غداً سيَطرقُ بابَنا

سأنامُ كيْ يأتي الصباحُ مبكرًا

وسنَشتري لُعَباً ، ونخبزُ كعكَنا

نمْ يا ضَنايَ ، الطفلُ أصبحَ شاعراً

وأباً ، وظلَّ الحُلمُ غضَّاً ليِّنا !

عشرونَ عاماً في انتظارِ المُلتقَى

ثم التقَينا ، كي نُتِمَّ وداعَنا

هَوِّنْ عليكَ ، وأعطِ موتَكَ فُرصةً

واشكرهُ أنْ وَهَبَ اغترابَكَ مَوطِنا

يا نائياً عني بمِترٍ واحدٍ

الآنَ وسَّعْتَ المسافةَ بيننا

نلتفُّ حولكَ ، نحنُ حَولكَ يا أبي

فابسُطْ عباءاتِ الحنانِ .. و ضُمّنا

قلْ مرحباً ، قلْ أيَّ شيءٍ طيبٍ

لا تتركِ الكابوسَ يُفسدُ حُلمَنا

كُنا نَرى الآباءَ حولَ صِغارِهم

نشتاقُ أنْ تأتي ، و أنْ تحكِي لنا

يا ما انتظرتُكَ ، وانتظرتُكَ يا أبي

الآنَ بادِلْني الحديثَ مُكفَّنا !

زُرْنا ، و لو في كلِّ عامٍ مرةً

واجلسْ قليلاً كي تدَبِّرَ حالَنا

جِئْ ضاحكاً ، أو ساخرًا ، أو غاضباً

دَللْ طفولتَنا ، وعاتِبْ طَيشَنا

سَمَرٌ شِتائيٌّ ، وشايٌ ساخنٌ

وسُعالُكَ الحنَّانُ يؤنسُ بيتَنا

أخشى من النسيانِ ، قد يأتي غَدٌ

و تصيرُ وحدَكَ في الغيابِ .. و وحدَنا

إنـَّا قصائدُكَ الجميلةُ يا أبي

اللهُ أبدَعَنا ، وأنتَ رَوَيتَنا

نثرٌ هِيَ الأيامُ .. نثرٌ باهِتٌ

وتصيرُ شِعرًا كُلما اتـَّقَدَتْ بِنا !

يبقَى مَعي منكَ الحياةُ قصيدةٌ

والموتُ شِعراً ، و الخلودُ مؤذِّنا

أتأملُ "الحَدَّادَ" في سِتِّينِهِ

قمرًا جَنوبياً يُرَنـِّقُ حولَنا

ويقولُ : يا ولدي تعِبتُ فخذْ يَدي

ثَقُلَ الحَديدُ عليَّ والظَّهرُ انحنَى

أنصِتْ لصَوتي فيكَ صِدقاً جارحاً

فالموتُ يعجَزُ أنْ يُبدلَ صَوتَنا

لا تحملِ اسميَ فوقَ صَدرِكَ صخرةً

أسماؤنا وطنٌ يُعَمِّرهُ السَّنا

كُنْ ما أحبكَ .. كمْ أحبكَ فارساً

لا ينحني فقرًا ، و لا يطغَى غِنى

لا يُشبِهُ الشُّعراءَ ، يُشبهُ شِعرَهُ

إنَّ البناءَ الفَذَّ يُشبِهُ مَن بَنَى

لا دمعَ يبقى كلُّ دمعٍ زائلٌ

إلا الذي بالحبِّ يغسِلُ صَدرَنا

دمعُ المَناحَةِ – دائماً - مُتأخرٌ

في نُطفَةِ الميلادِ نحمِلُ حَتفَنا

هَوّنْ عليكَ ...


هناك 7 تعليقات:

SomeOne يقول...

شكرا جزيلا
من شعرائي المفضلين
و رمضان كريم و لو أنها متأخره :)
و عيد سعيد :))

عدنان أحمد يقول...

SomeOne

أهلا أهلا .. لا داعي للشكر إطلاقا فكلنا يعشق أمير الشعراء بخيت ..

الله أكرم .. و كل سنة و انتِ طيبة و بخير ، و عيد سعيد عليكِ و على كل المسلمين

كلامك بيحسسني بتقصيري الشديد
لكن على أي حال أتمنى أن تجدي لي العذر

شكرا ليكي .. و دايما منورة المدونة

Lobna Ahmed Nour يقول...

إنـَّا قصائدُكَ الجميلةُ يا أبي
اللهُ أبدَعَنا ، وأنتَ رَوَيتَنا

طبعا لا تعليق على جمال القصيدة خاصة وان الكتابة عن الاباء من اصدق ما يمكن ان يكتب ومن الاصعب ايضا

رحم الله والدك وبارك فيك

عدنان أحمد يقول...

أهلا يا يونيك

طبعا انا متفق معاكي جدا
و القصيدة دي بالذات كأنها بتعبر عني تماما
رحم الله اموات المسلمين جميعا
شكرا ليكي

يمكنك الاستماع و الاستمتاع بتلك القصيدة بصوت الشاعر المبدع من خلال هذا الرابط :
http://www.youtube.com/watch?v=Jik7ImGOIwo

غروب يقول...

قصيده راااااااائعه

عدنان أحمد يقول...

غروب

أهلا بيكي .. فعلا القصيدة أكثر من رائعة

Unknown يقول...

القصيدة ابياتها كلها بلا استثناء في قمة الروعة والجمال ...لي تعليق فقط علي البيت سنقول للرحمن جل جلاله فلتعطنا . . . اري ان تستبدل فل ب هل لتحويل الصيغة من الامر الي الاستفهام لانه لاليق ان نوجه الي الله عز وجل صيغة الامر وتكفي صيغة الاستفهام لاعطاء الفخر الكافي .